وأما مرتبتهم فقد ذكرنا ، أن الجن إنما خلقهم الله سبحانه في الرتبة الخامسة ، من مراتب الحدوث من الفعل والمفعول ، أي من الخلق والأمر ، مما شمله لفظ العلي العظيم .
- فالرتبة الأولى : رتبة الفعل والمشية ، والإرادة والإختراع ، والابتداع ، والكاف المستديرة على نفسها .
- والرتبة الثانية : الحقيقة المقدسة ، وفلك الولاية المطلقة قصبة الياقوت ، وحجاب الله في الملك والملكوت ، والجبروت واللاهوت .
- والرتبة الثالثة : حقيقة الأنبياء (ع) .
- والرتبة الرابعة : مقام الإنسان الرعية .
- والرتبة الخامسة : رتبة الجن وهي أدنى من رتبة الإنسان بمرتبة ، وهي شعاع لتلك الحقيقة ، قوامها وتحققها بحقيقة الإنسان الرعية ، بحيث إذا فقدت تلك الرتبة ، انعدمت حقيقة الجن ، كما إذا لم تطلع (١)الشمس لم يوجد حقيقة النهار ، الكاين المتحقق (۲) من نور الشمس ، فالجن طوع يمين الإنس ، كالأشعة للشمس ، وهو قوله تعالى :
{وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً} (۳) .
وقد أجمع القائلون بوجود الجن ، على عدم تفضيلها على الإنس ، وقد صرح سبحانه بذلك في القرآن بقوله تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تقويم} (٤)
وقوله تعالى : {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} (٥)
وقال أمير المؤمنين (ع) : «الصورة الإنسانية هي أكبر حجة الله على خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه بيده ، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته ، وهي مجمع صور العالمين ، وهي المختصر من اللوح المحفوظ ، وهي الشاهد على كل غائب ، وهي الحجة على كل جاحد ، وهي الصراط المستقيم ، والصراط الممدود بين الجنة والنار» (١) (انتهى خ ل)
فإذا كان الإنسان له الفضل على الجن ، والطفرة في الوجود باطلة ، وجب أن يتعلق الجعل الإلهي بالإنسان قبل الجن ، فلو كان الإنسان والجن من حقيقة واحدة ، والفضل بالصورة ، لما كان للإنسان فضل على الجن ، بالذات لتساويهما ، وإنما كان الفضل بالعرض ، وهو ينافي الفضل الحقيقي ، الذي يجب أن يحمل عليه كلام الله سبحانه عند الإطلاق ، وعدم التقييد بحالة واحدة ، والفضل الذاتي يقتضي أن يكون الذات الأخرى ، من شعاع الأولى وإلا تساوتا ، فأين الفضل؟
وقولك إن الإنس أفضل من الجن ، كقولك إن الله سبحانه أرحم الرحمين ، وأكرم الأكرمين ، وخير الرازقين ، وأحسن الخالقين ، وأجود من أعطى ، وأكرم من سئل ، وقولك إن النبي (صلى الله علية وآله خ ل) أفضل من الرعية ، وقد قال الله سبحانه (۲) : لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) «یا محمد فضلك على الأنبياء كفضلي ، وأنا رب العزة على سائر الخلق» (۳) انتهى (٤) والكل من هذا النوع فافهم وثبت ثبتك الله تعالى .