الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
من أشعة أنوار الفاطمية (ع)
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين آمين رب العالمين .
قال تعالى :
{وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
مما لا ريب فيه أن كلمات الله ليست من الشؤون الذاتية للباري تعالى ، ولا تناسب بين البحر والمداد من جهة وذات الله جل جلاله من جهة اخرى ... بل انها من مخلوقاته ، وربما كانت بعضاً من أسمائه وصفاته الفعلية .
لقد اطلقت الكلمة على الأشخاص أيضا في القرآن الكريم ، فهو يقول في حق عيسى عليه السلام : {وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ} .
{إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} .
وورد في الحديث الصحيح اطلاق الكلمة على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .
فقد خاطب الباري جل وعلا حبيبه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ليلة المعراج قائلا : «علي كلمتي التي ألزمتها المتقين» .
وفي دعاء السحر : «اللهم أني أسالك من كلماتك بأتمها ، وكل كلماتك تامة» .
يستفاد من هذا النص أن هناك مراتب ودرجات بين الكلمات ، ففيها الكلمة التامة ، وفيها الأتم ، في حين لا يتصور وجود المراتب والدرجات في ذات الحق جل وعلا .
لذلك ، وبقرينة استعمالات الكلمة في القرآن والحديث ، نقول ان المراد من الكلمات هو الانبياء والأولياء .
ان اسرار الحقيقة المحمدية ، ومعاني الحقائق العلوية ، وأشعة الأنوار الفاطمية ... وسائر المعصومين عليهم السلام هي التي تملأ عوالم اللاهوت والجبروت والناسوت ، وعن طريقهم يصل الفيض الالهي ، والمدد الغيبي الى المخلوقات من الذرة الصغيرة حتى الطور العظيم .
وهكذا نقرأ في الدعاء المخصوص بشهر رجب :
«... ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان ، يعرفك بها من عرفك ، لا فرق بينك وبينها الا أنهم عبادك وخلقك ... فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر أن لا اله الا أنت» .
وفي الحقيقة فان بحار عالم الوجود رشحة من ينبوع الصادر الأول ، واشعة الكون اشراق من اشعاعات العقل الكلي الذي هو وعاء المشية الالهية .
واذا كانت هذه المعاني عميقة ، فلا بأس بأن نوضحها بمثال لكي يسهل استيعابها من قبل القراء الكرام ، ويكشف الستار عن سر من أسرار العلم والاحاطة بالكلمات التامات ، وقصور البحر حتى لو أضيف اليه سبعة أبحر عن تجسيد ذلك .
الملائكة والجن والانس كلها كتاب وحساب ، وتستطيع استعمال مياه البحار بدلا من الحبر لإحصاء الكلمات التامات ، وذلك بأمر الخالق المتعالى ومشيئته وقدرته !!
لتنظر الآن كيف تقوم بعملها هذا ، والى أين تصل ؟!
من رموز الكلمة التامة ، أو الأيام الالهية ، أو حجة الله البالغة ، احاطتها بجميع قطرات البحار ، وذرات النفوس التي توجد داخل كل قطرة منها ، اذن فكل قطرة ترفع بالقلم تحتوى على آلاف الآلاف من الكائنات الحية ، التي تحتاج كل واحدة منها الى الفيض الوجودي ، ولها استعداد محدود في استقبال المدد الإلهي .
لذلك ، اذا ارادت قطرة الماء أن تحصي المعلومات التي يعرفها المعصوم عن ساكني هذه القطرة وتسجلها على الورق ، فان رطوبة هذه القطرة تجف قبل استقصاء جميع مطالبها .
وهكذا جميع قطرات المياه في البحار فانها ضئيلة وتافهة تجاه محتوياتها .
اذن ، فماء البحر لا يقدر على احصاء أسرار وعلوم الكلمة التامة الالهية تجاه البحر نفسه وساكنيه ، ويعجز عن الوصول الى نهايتها .
فضلا عن سائر المخلوقات والموجودات !!
اذن فالكلمات التامة ، يعني أنوار المعصومين الأربعة عشر الذين هم اصحاب الولاية المطلقة ، ومظاهر للمشيئة الالهية ، لا يمكن ادراكها بهذه المظاهر الناقصة ، ويستحيل احصاؤها بهذه المراتب المحدودة .
انها مهما تكاملت في أنفسها ، وزكت نفوسها ، فانها تستطيع الحصول على معرفة ذاتها فقط ... علما بأنها اذا زكت فانها تصبح مرآة ، لكن لظواهر الآيات الربانية ، أي أنها توفق لمعرفة مرتبة الامامة فقط ، وتبقى جاهلة تجاه باطنها ، كما قال الولي المطلق .
«ظاهري امامة ، وباطني غيب منيع لا يدرك» .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .