٦٥- الأستاذ حميد حميد
٦٥- كلمة الأستاذ حميد حميد المسطورة بالفارسية في جريدة (كيهان) ما هذه ترجمتها بالعربية :
الشيخ أحمد الإحسائي عالم مجهول وذخيرة غنية لرؤية عالمية شاملة شيعية إيرانية إذا قصدنا بالتفكير الفلسفي ذلك المفهوم الواقعي الذي ينتظر من التخيل الخالص المحض العقلي الجدلي (الديالكتيكي) ، وإذا نظرنا حسب هذا التفكير وبهذا الفهم إلى المعارف الإلهية (علوم اللاهوت) التي هي سعي دائب متواصل للمعرفة ، يحمل التشيع الصحيح لواتره وينادي به ، فإن تاريخ الفكر في إيران يخلو في هذه الحالة طوال كل القرون الأربعة الأخيرة من مثل هذا الأمر المعنوي العظيم (الفلسفة الحقيقية والفكر الفلسفي الأصيل) على أنه لا يصح لنا أن ندعي هكذا (بخلو هذه القرون التي ذكرناها) إلا إذا حذفنا وجود الشيخ الأجل المطلق أحمد بن الشيخ زين الدين بن الشيخ إبراهيم الإحسائي وتراثه القيم من فترة الأربعمائة سنة تلك .
والحقيقة أنه قد قدّر للشيخ الكبير أحمد الإحسائي أن يخطئ بنفس ذلك المصير الذي يناله بحكم الدهر الطبيعية كبار رجال التاريخ والفكر الأفذاذ ، فالعناد الأشبه بالمرض من قبل الخصوم الذين كانوا رغم تظاهرهم بالعلم والفهم بعيدين بشكل عجیب عن كل معرفة ، والخصومة من قبل الجهلة الذين أسرتهم الغرائز البشرية وهم في زي أهل العلم فتألمت مشاعر حبّ الجاه فيهم بوجود رجل فذ كالإحسائي ، وكانوا يحسون بوهم باطل ، أن مصالحهم ومكاسبهم التي نالوها بأوضاعهم ومظاهرهم الخادعة للجماهير في خطر مع حضور الشيخ المليء بالمعنوية والروحانية .
وأخيراً ..... فإن المحَّبة والود والولاء من الأقران الذين كانوا يعدُّون ويعتبرون حتى بزوغ نجم الشيخ وحلول عصره وظهور أمره ، المتحكمين بلا منازع في الفكر الفلسفي والعلوم الدينية والروحانيات .…
كل هذا وذاك صدق على الشيخ الإحسائي وحياته تماماً كما يصدق دوما على عظماء الفكر والتاريخ .
ومع كل هذا فثمة وراء تلك الخصومات الخادعة للجماهير وبعيداً عن الولاء الصادق والصائب لأولئك الذين كانوا قد تقبلوا روح رسالة الشيخ المعنوية وجوهرها بحسن القبول ، ثمة قد تحقق بحضور الشيخ وظهوره ، واقع ملموس واضح يتجلى بصراحة في عالم التفكير والخيال الفلسفى (الشيعي - الإيراني) ذلك أن بروز الشيخ أحمد الإحسائي بعد أن أظل الحياة الفكرية للمجتمع الإيراني سكوت ثقيل وعميق كان كالنسيم الذي هبَّ على وجود كيان التشيع فوهبه الحياة ، فالشيخ أحمد بغوصه في لجة ما هو في حدّ ذاته معرفة الله والكون من وجهة نظر الشيعة بين واقع ما ينادي به التشيع حقيقة وباطنة ، وفصلهما من النظريات المتسمة بالمظاهر الدنيوية والتي كانت المساعي تبذل لجعلها مقبولة كحقيقة باطنية الفلسفة الشيعية ، وما زال الوقت لم يحن بعد لأن نحكم بشأن جامعية رؤية الشيخ الأعظم وشمولها وكمالها بمجرد الموضوع السالف الذكر فحسب ، لأن كمال الغالي لا يتحقق بهذه الوجهة من حضوره المعنوي فقط ، أن صرح المعرفة العالي الذي شيده في تاريخ الفكر الإيراني لم يكن ليكتمل ويتم بهذه المواد الأساسية فقط التي قدمها الشيخ أحمد عن طريق إراءة نوع رائد وتام من أنواع معرفة الإمام ، قائم مبني على أساس باطن الوحي القرآني وإلهامات (مجموع وحي) الأنبياء (على نبينا وآله وعليهم السلام) وبالتالي عن طريق إراءة مراجعة لتأويل أسرار رسالات السماء وتفسيرها بالحكمة الإلهية ، وإنما تم هذا البناء واكتمل من حيث تمتعه في نفس الوقت بالجذور (الخمائر) الأصلية للفكر الإيراني ، وحيث يستطاع إراءة ترسيم وتصوير وعندما يكون ممكناً أن نرى ترسيماً وتصويراً لرؤية الشيخ أحمد للعالم بما أوردناه كان من المستطاع ثمة أن نرى بوضوح .
في باب القياس فقط وليس في مقام التشبيه أبداً ، نرى نظماً فكرية عظيمة كرؤية (عمانوتيسلكانط) للعالم من جهة ، ونظم الفلسفة الوجودية المعاصرة ومنها بوجه خاص وجهة نظر كوجهة نظر (نظاماً كنظام جبريل مارسيل) .
من جهة أخرى ، نراها أمام البناء الفكري للشيخ أحمد تفنُّناً طفولياً لاغير ، ليعدون أن تكون ضرباً من لعب الأطفال أمام البناء الفكري للشيخ أحمد .
ولقد تحدثت قبل قليل عن العنصر الإيراني في رؤية الشيخ الإحسائي للعالم ، وأضيف الآن أن تلك الواجهة من البناء الفكري للشيخ الأعظم لمَّا تُدْرَكْ بَعدُ ولمَّا تُعْرَف، إنما هي وللصدفة ذلك الجزء المعنوي ذو الوجه الإيراني من ذلك البناء الرفيع ، وهو جانب غنيّ لدرجة أنَّ بإمكانه أن يكون مماثلاً ومواكباً لدرجة أنه يستطيع أن يساير الجزء الآخر الذي هو معرفة الإمام ، وتلك الحكمة الإلهية الشيعية ، ويجب أن يستفاد منه ويستخدم كخميرة أساسية لبناء رؤية عالمية إيرانية شيعية وهذا شيء لا بد للمجتمع الإيراني من الانكباب عليه (الاتجاه نحوه) ، إذا ما أريد استقرار الرأي عليه لاننسى أن مثل هذه الهمة تحتاج حتماً إلى حركة معنوية أساسها الرجوع إلى النفس ومعرفة النفس من جديد ويصحح من خلال بطيَّها حتماً على وجه الإلزام أخطاء وخبطات ويعتذر فيها لقيم لا بديل لها عن عدم مراعاة حرماتها ، واننا نستطيع بسهولة أن نتابع في غضون القرن الأخير خطَّ سير عملٍ وتحقيق أخرج خلاله عدد من بوتقة النسيان ووضعت أمام أعين الجامعيين والمثقفين آثار ووجهات نظر باسم أعمال فكرية ونظم فلسفية خلاقة ، نستطيع بسهولة أن نجد فيها بكثرة معتقدات ضد الإسلام وضد التشيع تماماً ، في حين أعمل في ذلك الأوان بالذات سكوت دون وجه حق وعدم اهتمام ظالم بالنسبة إلى فحل فذ كالشيخ أحمد الإحسائي ، والعجب أن يصير مثل هذه اللامبالاة في حق التراث الفكري لرجل تكمن بصفة مطلقة وممحضة في آثاره فحسب لاغير ، لرموز الواقعية الباطن التشيُّع .
وفي أصول عقائده وحده تكمن الرواية التامة والحكاية الخالصة للمعنوية الإيرانية الشيعية ، ولا يفوتني أن أذكر أن المعنى الصحيح لما سبق أن قلته لا يمكن إدراكه تمام الإدراك إلا إذا عرفنا المفهوم التاريخي والفلسفي للمصطلح الإيراني - الشيعي ودُون أن نتعرف بقلوبنا محتواه الواقعي الذي هو مزيج تاريخي اعتقادي ، وإنني بالنظر إلى مقل هذا الدرك لذلك المصطلح أجزم وأقول معتقداً بأنه يجب إثارة تداركات واسعة وواعية بغرض معرفة جديدة لتاريخ إيران الفلسفي في الفترة الزمنية الواقعة بعد الصفوية بأربعمائة سنة ، ومن الطبيعي أنه يلزم لهذا الأمر أن نولى الاهتمام بدقة لأمور أساسية ومعينة وأن المعايير والموازين التي أبداها عدد من الأفراد والجهات العلمية ومراكز التحقيق لمعرفة المجريات الفلسفية لهذا العصر ، في حاجة لإبطال واعادة نظر دقيق ، ولكي نعمل هكذا من الضروري حتماً أن نقوم بترسيم واضح جداً لعلم الإصطلاح الخاص بالشيخ الإحسائي الذي هو بنفسه يحتاج إلى تعريف واسع حتى يتيسر بالاستناد إلى تلك الضوابط المحتومة مطالعة وتحديد كل مجرى فكري وفلسفي في هذه الفترة المحدَّدة ، وطبيعي أن التصريح بهذه المحدودة اللامتناهية يحتاج مقدماً وقبل ذلك إلى إدراك جديد للأركان الأصيلة التي قد استقرت عليها رؤية الشيخ الأعظم للعالم ، ومع أنه لا يمكن الإشارة إلى تلك الأركان في هذا الموجز ولو بذكر العناوين كما في الفهارس إلى تلك الأركان فإنه لا يمكن إلا أن نشير إلى أمر واحد هو أن ركْنَي هذه الرؤية العالمية يمنحان دُنيا الفكر رأي الشيخ وجهة يجعلان بها الأركان الأساسية الأخرى تحت الشعاع ، أن الحكمة الإلهية الشيعية والتولي والتبري القويمين هذين الركنين اللذين يظهران بصورتهما التفصيلية في أعماق الثقافة الإيرانية .