أبو المكارم الشيخ حسين المطوع حفظه الله
نور محمد وآله نور الله عز وجل
الحمد لله أهل الحمد والثناء والعظمة والكبرياء ، والصلاة والسلام على سادة الأنبياء وعماد الأصفياء محمد وآله النجباء النقباء ، ثم السلام على شيعتهم ومحبيهم العلماء الأتقياء الذين هم ورثة الأنبياء ومن مدادهم خير من دماء الشهداء واللعنة الدائمة على أعدائهم الخبثاء اللعناء من الآن إلى يوم الجزاء .
أما بعد فيقول العبد المسكين المستكين الحقير الفقير المهين أكثر الناس جرما وزللا وأقلهم علما وعملا المليء بالعيب والشين ابن علي حسين المطوع تجاوز الله عن سيئاته أنه قد أمرني الأخوة الكرام الأفاضل القائمون على المجلة المباركة الميمونة (الفجر الصادق) وفقنا الله وإياهم لكل خير وجنبنا الله وإياهم كل شر أن أكتب بعض الكلمات حول بعض مقامات موالينا الكرام وساداتنا العظام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
بعد الإتكال على الله تعالى وددت أن أتناول في البحث بعض الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام بشيء من البيان على قدر الوسع والطاقة ملتمسا العذر من جميع من يجد فيها زللا أو خطأ راجيا من مولانا الحجة أرواحنا فداه ومن نائبه مرجعنا المعظم أن ينظر إليها بعين القبول والرضا، وإني قبل الدخول في البحث حول الرواية التي أود الكلام عنها أحببت أن أقدم مقدمة من شقين .
- الشق الأول : أن ما أحاول أن أسلكه في كتابتي وبحوثي هو المسلك الذي سلكه مشايخنا العظام وعلى رأسهم مولانا وعمادنا مفتاح علوم أهل البيت العالم الكبريائي والحكيم الصمداني فخر العلماء والمحققين من المتقدمين والمتأخرين الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه وأنار الله في الدارين أعلامه وهو الإعتماد في كل المطالب على ما أتى به الكتاب المنزل وما روي عن آل النبي المرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
- وأما الشق الثاني : أن جميع ما نذكره أو جميع ما ذكره غيرنا من العلماء الأعلام والمجتهدين العظام ومهما بلغوا من مراتب العلم والفهم في مقامات أهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم إنما هو حديث في ظاهر ما ظهر لنا من علو مقامهم ورفيع رتبتهم ، وأن أحدا من الخلق غيرهم مهما بلغ في الرتبة لا يتمكن من معرفة حقيقة حالهم ، وأن ما يعتبره البعض بنظره القاصر الفاتر غوا في شأنهم نحن لا نعتبره إلا تقصيرا في حقيقة مقامهم ، وأن هذا الذي نذكره تقربا لله ولهم إنما هو أشبه شيء بفخذ الجرادة التي قدمته النملة هدية لسليمان لا أزيد من ذلك ، وإن كان هذا الأمر لا يحتاج إلى التعليل ولكن نذكره تذكرة لمن رام الحق وهو أن العقل يحكم بأن الإنسان حتى يكون محيطا بشيء ما لا بد أن يكون إما أنه مساو له في المقام أو أعلى منه في الرتبة ، وقد ثبت بالعقل والنقل أنه لا يوجد في عالم الخلق من هو في المقام والرتبة من هو مساو لنبينا وأئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم فضلا أن يكون هناك من هو أعلى منهم رتبة ، فإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يمكن لأحد في عالم الخلقة أن يحيط بشيء من علمهم إلا بما شاء الله وقد قال مولانا الهادي وقوله الحق: "آتاكُمُ اللهُ مالَم يُؤتِ أحَداً مِنَ العالَمِينَ ، طَأطَأ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُم وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُم وَخَضَعَ كُلُّ جَبَّارٍ لِفَضلِكُم وَذَلَّ كُلُّ شيءٍ لَكُم" .
أما الآن فقد حان أوان الشروع ، عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: "إن الله تبارك و تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله وهو نور لاهوتيته الذي ابتدأ من لاه أي من إلٰهيته من أينيته الذي ابتدأ منه" ، وتجلى لموسى بن عمران علیه السلام به في طور سيناء فما استقر له و لا طاق موسى لرؤيته و لا ثبت له حتى خر صاعقا مغشيا عليه و كان ذلك النور محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أراد الله أن يخلق محمدا منه قسم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الأول محمداً ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب عليه السلام و لم يخلق من ذلك النور غيرهما خلقهما الله بيده و نفخ فيهما بنفسه من نفسه لنفسه وصورهما على صورتهما و جعلهما أمناء له و شهداء على خلقه و خلفاء على خليقته وعينا له عليهم و لسانا له إليهم قد استودع فيهما علمه وعلمهما البيان و استطلعهما على غيبه وجعل أحدهما نفسه و الآخر روحه لا يقوم واحد بغير صاحبه ظاهرهما بشرية وباطنهما لاهوتية ظهرا للخلق على هياكل الناسوتية حتى يطيقوا رؤيتهما و هو قوله تعالى {وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} فهما مقام رب العالمين وحجاب خالق الخلائق أجمعين بهما فتح الله بدء الخلق وبهما يختم الملك و المقادير .
ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته كما اقتبس نوره من نوره واقتبس من نور فاطمة و علي الحسن و الحسين كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الأنوار و انتقلوا من ظهر إلى ظهر و صلب إلى صلب و من رحم إلى رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة بل نقلا بعد نقل لا من ماء مهين ولا من نطفة خثرة كسائر خلقه بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات لأنهم صفوة الصفوة اصطفاهم لنفسه وجعلهم خزان علمه و بلغاء عنه إلى خلقه أقامهم مقام نفسه لأنه لا يرى ولا يدرك ولا تعرف كيفيته و لا إنـيـتـه فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه المتصرفون في أمره ونهيه فيهم يظهر قدرته و منهم تری آیاته و معجزاته و بهم ومنهم عرَّف عباده نفسه و بهم يطاع أمره ولولاهم ما عرف الله و لا يدرى كيف يعبد الرحمن فالله يجري أمره كيف شاء فيما يشاء {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ} .
قوله عليه السلام : "إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله وهو نور لاهوتيته الذي ابتدأ من لاه أي من إلٰهيته من أينيته الذي ابتدأ منه" فيه عدة بحوث .
- الأول في معنى الإبداع و الإختراع .
الإبداع لغة الإبتداء والبداية وهو أول الشيء كما في مجمع البحرين قال تعالى: {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي ما كنت بدءا من الرسل ، أي ما كنت أول من أرسل من الرسل قد كان قبلي رسل كثيرة (مجمع البحرين ٤ / ٢٩٨) .
والإختراع الإبتداع والإنشاء كما في المجمع أيضاً .
وأما في اصطلاح الحكماء الإلهيين كشيخنا الأجل الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه فهو النور ، وعند الفلاسفة هو الوجود ، وهو أول شيء خلقه الله تبارك وتعالى في عالم الإمكان كما ورد "الحمد لله الذي أبدع حقائق الممكنات.. إلخ" ، وهو عبارة عن وحدة لا تعدد ولا كثرة فيها ، بمعنى أن جميع الموجودات في ذلك المقام عبارة عن نور واحد مندك جميعه في نور نبينا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه و آله .
وهو أول عالم الظهور بعد العالم المختص بآل العصمة والرسالة أعني أول عالم ظهر من شعاع نورهم ولعله هو العالم المشار إليه بالباء في تفسير إمامنا أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق في تفسيره لـ (بسم الله الرحمن الرحيم) حيث قال عليه السلام :
"الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ... إلخ" والبهاء هو أول النور أو أول ظهوره ، وفي هذا العالم كانت أنوار شيعتهم ومحبيهم مندكة في نورهم صلوات الله وسلامه عليهم ، ففي هذا العالم جميع شيعتهم ومحبيهم لا يرون نورا إلا نور أئمتهم ولا يسمعون صوتـا إلا صوتهم ، وإلى هذا المقام أشار سيد الأنام رسول الواحد العلام عليه وآله آلاف التحية والثناء والسلام بقوله :
"وأشهد بأنه الذي ملأ الدهر قدسه و الذي يغشى ا الأبد نوره و الذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير صور ما أبدع على غير مثال (وقال صلى الله عليه وآله) أول ما أبدع الله سبحانه و تعالى هي النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه" وهذه النفوس هي نفوسهم عليهم السلام ومن شعاعها خلق الله نفوس شيعتهم ومحبيهم وحيث أن الشعاع تابع للمنير ومظهر لصفاته وكان المنير ركنا لتوحيد الله تبارك وتعالى نطقت نفوس الشيعة تبعا لمواليهم بتوحيد الله تبارك وتعالى على ما سنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى .
وأما الإختراع فهو المقام الثاني من مقامات الظهور وهو مقام الكثرة وهو مقام إجتماع النور بالظلمة كما عبر عنه شيخنا وعمادنا شيخ المتألهين العالم الكبريائي الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه ، ومقام الوجود والماهية كما عبر عنه الفلاسفة ، وهذا المقام مراتبه كثيرة جدا لا تقع تحت حصرنا .
ومما يجدر الإشارة إليه أن الإختراع له معنيان معنى خاص وهو هذا الذي ذكرناه ، ومعنى عام وهو المعنى الذي ذكره أهل اللغة حيث قال صاحب مجمع البحرين الإختراع بالكسر الإبتداع والإنشاء وقد جاء في الحديث ، يقال اخترع كذا أي أنشأه وابتدعه .
وفي هذا العالم يسعى الموالي أن يعود إلى حاله الذي كان عليه في العالم الأول أعني أن يصل إلى مقام لا يرى نور إلا نورهم ولا يسمع صوتا إلا صوتها ، بلغنا وإياكم هذا المقام بحق محمد وآله الكرام والكلام في معنى هذا الخبر الشريف يأتي في مقالات أخرى إن شاء الله تعالى ، والحمدلله رب العالمين والصلاة و السلام على محمد وآله الطاهرين .