لولاك لما خلقت الأفلاك

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


لولاك لما خلقت الأفلاك


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين .


المعراج من عمدة معاجز نبينا الأكرم أبي القاسم محمد (صلى الله عليه و آله) ، وهو الصعود من الأرض واجتياز الكرات إلى السماوات فخرقه الحجب والسرادقات فبلوغه إلى العرش حتى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى بهذا الجسد الظاهري مع ثيابه وعمامته ونعليه والتي أخذت من هذا العالم .. من تحت فلك القمر بمتابعتها لوجوده الشريف ، فصار حضوره في أماكن عديدة بهذا الهيكل الدنيوي المرئي في آن واحد ، وكن على يقين من أن كل أمر له فهو للمعصومين (ع) على حد سواء ما خلا النبوة من "حيث أولنا محمد ، آخرنا محمد ، أوسطنا محمد، بل كلنا محمد، فلا تفرقوا بيننا" .


ولما كان التكوين عين التشريع ظهر من عروجه (صلى الله عليه و آله) كونهم (ع) عللاً مادية لتمام الطبقات من الإنس والجن والملائكة والنبات والحيوان والجماد ، إضافة إلى الحكم التي لا تعد ولا تحصى والمصالح التي لا تستقصى من هذا العروج … منها ما هو راجع إلى الخلق ، لأن عروجه (صلى الله عليه و آله) في زمان مخصوص في لـيـلـة مخصوصة بجسده الدنيوي المحسوس الملموس في هذا العالم هو وقت إيصال الخلق إلى أعلى مراتبها في الوجود من حيث إن وصول قطب الدائرة إلى ذاك المقام يلازمه ترقي جميع أجزاء الدائرة ، فما من ترق حصل ويحصل للخلايق فهو من آثار ذاك العروج الشريف .


ومنها أن جسده الشريف تابعاً لعقله ، فبالنظر إلى الوجه العلوي فهم (ع) أبداً في هذا المعراج الذي لا انقطاع له ولا زوال لأن مراتبهم على الدوام وفي كل الأطوار وفي جميع الأحوال على وجه التمام والكمال ، وما قد رؤي من تلبسهم (ع) وتلبس النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) بهذا اللباس البشري لم يمنعه في تلك الليلة من السير إلى جميع الجهات والأرضين والسماوات و العروج فملأ جميع الأكوان و العوالم ، فكان في كل عالم بما يتناسب مع ذلك العالم ، و لكنه (صلى الله عليه و آله) لم ير في تلك الليلة في مكانه وقت عروجه حيث إنه ألقى ما تلبس به من لباس الدنيا والذي يقتضيه هذا العالم ، وهي الصورة الجامدة التي هي من سنخ هذا العالم والتي لبسها لانتفاع المكلفين من وجوده المقدس .


ومما لا شك فيه متابعة أي شيء وكل شيء لحكم نورية جسد النبي الأعظم ولطافة جسمه الشريف ، فرفع حال عروجه عن ثيابه وعمامته ونعليه حكم أنفسها ، وقد يكون هذا الحال على وجه ، أما الوجه الآخر فهو أن ثيابه وعمامته ونعليه جرى عليها ما جرى على لباسه البشري من إلقاء الثقلية والجمود المتلبسة بها العناصر الأربعة لجسمه الشريف كل في كرته مع بقاء بنيته لبقاء ذوات تلك العناصر ، فما ألقاه هو النسبة بينه وبين الأشياء السفلية والتي مقتضاها الجمود والثقل ، فلم يطرأ على جسم النبي الأعظم سوى العرض الذي لم يخرج الجسم عما هو عليه ، والحقيقة أن صفة الجمود اضمحلت واستبدلت بالذوبان حين العروج ، فالجسم يتلطف إذا ما صعد من عالم الفساد إلى عالم الكون مع بقائه على ما هو عليه من التجسد ، وبالنظر إلى اختلاف المقدار الذي هو تابع للجسم من حيث اللطافة أو الكثافة فالجسم إذا ما لطف ملأ ما بين السماء والأرض أو قد يدخل في سم الخياط بلا تزاحم ، كأجسام الملائكة فكيف بجسم النبي الأعظم الذي هو ألطف من أي شيء لأنه علة كل شيء ، فإذا ما رجع أخذ كل عنصر ما له من كرته .


ولأن المعراج من المسائل التي صرح بها القرآن ونطقت بها الأخبار واتفقت عليها كلمة المسلمين فإنكاره إنكار لضرورة الدين، فلا يكمل إيمان الخصيصين ولا يتم إيمان الخواص ولا إيمان لمطلق المحبين إلا بالتسليم لمقاماتهم التي أظهروا منها ما يُحتمل كمسألة المعراج وهو قول أمير المؤمنين (ع): "اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم" ليكون الاختبار والمحك أولاً وأخيراً هي ولايتهم ومحبتهم والتي قوامها التسليم ، فبه يحيا من حي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة ، فتدبر فيما أسلفنا لتفوز مع الفائزين وتجني مقامات المخلَصين .. وإذا لم تفهم فسلِّم تسلم .