سبحان ربك رب العزة

سماحة الحكيم الإلٰهي والفقيه الرباني المولىٰ

 ميرزا عبد الله الحائري الأحقاقي حفظه الله


سبحان ربك رب العزة 


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين .


يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون:۸) العزة رداء الله ، وقد جعل لخلقه فيها نصيباً ، فنسبه لرسوله وللمؤمنين وجعله أعلى وصف لهم فقال: {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات:١٨٠) ، فظهرت على المخلصين آثار هذا الوصف ، ولما كان كل ما في الخزينة العليا في الخزينة السفلى ولكن مادته من عكوسات الأنوار ، وهذا يكون لكل المراتب من أدنى المراتب وحتى أعلاها فتصل المقابلة في الخزينة العليا بين العقل وبين ما يسمى بالنكراء أو الشيطنة في الخزينة السفلى ، فتظهر للواقف على الخزينة السفلى عكوسات الصفات التي تظهر للواقف على الخزينة العليا .


والواصلين والمستقرين في الوقوف على الخزينة العليا تختلف أحوالهم بقدر سعتها فيزداد النور وتزيد المعرفة بازدياد سعة الخزينة ، واتساع الخزينة يكون بكثرة العمل وشدة الإخلاص والتوجه في العمل وشدة الطلب ، وبهذا تختلف علوم العبد بقدر شدة سيره ، لكنهم جميعاً ارتفع عنهم الإنكار وخلص عملهم بالتسليم والانقياد ، وهناك خزائن عديدة ما بين هذه وتلك ، فالضعفاء من الناس الذين ليس لهم قابلية الصعود إلى الخزائن العليا يختلط عليهم الحق مع الباطل والغث من السمين والظن باليقين {وَ لِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} (الأنعام: ۱۱۳) .


فينكرون على أهل الحق قولهم بالأسرار ويرمونهم بالكفر والزندقة لأنهم واقفين على باب الخزائن الدنيا وهو باب ضيق حرج ليس فيه سعة وفسحة ، وقد غضت الشبهات أعينهم بسوء أعمالهم ورداءة ميولاتهم ، ولكن هذا العبد قد يوفق للفهم والمعرفة الغير مشوبة بشك ولا شبهة إذا أظهر التسليم فيما يعلم وفيما لا يعلم ، فيمكن من النصح ويستأهل الخطاب ويصاغ صوغاً جديداً {يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ} (الرعد:٣٩) .


فالعلوم إذا لم يجر بها قلم أو حتى لم تجر على الخاطر فهذا لا يعني عدم تأصلها في اليقين ، لإنها مذكورة مشهورة بين المعصومين (ع) وبين شيعتهم ، وإن بقيت عند من ليس له أنس بها غريبة ومجهولة مبتكرة ، ويكون العبد أحياناً من المستأنسين بالآيات والروايات ظاهراً ولكن خبر تدريه أفضل من ألف خبر ترويه ، فالروايات تضمنت صريح الدلالة وخافي الإشارة ، وما تضمنته تلويحاً لا يعد ولا يحصى وهو بعدد أنفاس الخلايق ، فكل يفهم بقدره ، وكل يغترف من هذا البحر بحسب قابليته .


فليس كل من تعمق في المعارف الإلهية وقف على الحقيقة ، ولا كل من دقق وحقق معتمداً على عقله في إيراد الإشكالات وإثبات الاعتراضات صار من العارفين ، فلا يصل إلا من كان طالباً للمراد بحقيقة الطلب ، فيعتقد بكل أمر جامع مرجعه كلام الله ورسوله والأئمة من آله (ع) ولا يكون اعتماده على خواطر عقول ناقصة .


فالمعرفة تحصل وإن لم يُذكر الدليل لأن المهم هو الوقوف على العبارة ومعرفة الإشارة ليمكن الانتفاع به ، فلا يمكن للإنسان إثبات الاستدلال في كل وقت وعلى أي حال ، ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور ، فمقصودك عزيز وهو معرفة الله عز وجل ، وهذا لا يُعرف بالعقول القاصرة التي لا يقع فهمها إلا على الباطل ، بل بما وصف به نفسه على ألسن أوليائه الذين أدركوا أن هذا الوصف منزه عن الإدراك بالعقول {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ} 

(آل عمران:۱۸) .