الأئمة (عليهم السلام) في زمن الجور قد يلعنون خواصهم لحفظهم

 الأئمة (عليهم السلام) في زمن الجور قد يلعنون خواصهم لحفظهم

ومنها - أن الأئمة (عليه السلام) كانوا في زمن الاستتار والتقية ، وغلبة الباطل على الحق ، وكان جهد سلاطين زمانهم ، والأمراء الخونة من حواشيهم ، في إطفاء نورهم بأي وجه قدروا عليه ، وكان الأئمة (عليه السلام) ربما يلقون إلى بعض الأصحاب ، ما لا يجوز إظهاره عند الأعداء ، بل وعند الضعفاء من الشيعة ، حتى إنهم ما كانوا يظهرون دعواهم الإمامة ، وأنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن يختص بهم.


وربما كان بعض هؤلاء ، يظهرون شيئاً من ذلك ، من فرط حبهم ، أو ثقة منهم على بعض الناس عند غيرهم ، ولما كان السامعون ليسوا له بأهل ، وكان في شيوع ذلك الأمر مفاسد كثيرة ، فكانوا يجيئون ويسألونهم عن ذلك ، ويقولون أخبرنا فلان عنك بكيت وكيت ، فكان الأئمة (عليهم السلام) يتبرَّأُون من ذلك ، ويكذِّبون ذلك الشخص ، بل ربما كانوا يلعنونه حفظاً لأصل الدين ، لكن على طور لا يلزم منه الكذب ، كما قال إبراهيم : {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (١).


فإنه علق وقوع الفعل من كبيرهم على النطق الذي لا يأتي منه تورية ، فمن لا يعرف معاريض الكلام ، إذا وقف على مثل تلك الأخبار ، اتخذه من أسباب القدح ، في حق من هو أجلّ شأناً من ذلك) (٢).


ومما يؤكد هذا الأمر ما ذكر من قبل ، الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، في لعن زرارة بن أعين رضوان الله عليه ما نصه: 

( حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه ، قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه ، عن زياد بن أبي الحلال ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): 

إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئاً فقبلنا منه وصدقناه ، وقد أحببت أن أعرضه عليك، 

فقال : هاته ، 

قلت : فزعم أنه سألك عن قول الله عزوجل : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (۱) : من ملك زاداً وراحلة، 

فقال: كل من ملك زاداً وراحلة ، فهو مستطيع للحج وإن لم يحجّ؟ 

فقلتَ : نعم.


فقال : ليس هكذا سألني ، ولا هكذا قلت . كذب عليَّ والله ، كذب علي والله . لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة! 

إنما قال لي : من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج؟ 

قلت : قد وجب عليه الحج .


قال : فمستطيع هو؟ 

فقلت : لا ، حتى يؤذن له، 

قلت: فأُخبر زرارة بذلك؟ 

قال : نعم . 

قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة ، فأخبرته بما قال أبو عبد الله (عليه السلام) وسكتُّ عن لعنه، 

فقال : أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم ، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال).