أقول - إن العلة والسبب في إصابة العين ، والله سبحانه هو العالم ، هي أن الأجزاء الصغار ، الردية الحادة ، الغالب عليها اليبوسة ، في الدرجة الرابعة ، التي تضعف معها عن التماسك ، مع الحرارة القوية ، الغريبة الغير المعتدلة ، قد عرضت لها سميّة يستحيل الغذاء ، بعد الكيموس إليها ، ولم تزل تتصاعد ، ولما كانت العين أوسع الأعضاء مساماً ، وأسرعها قبولاً لقوية (۱) الرطوبة ، فإذا صعدت تلك الأجزاء ، لم تجد مخرجاً سوى العين ، فتخرج من مساماتها وتستقر في رطوباتها (٢) فإذا حصل لها هيجان ، لها بقوة التفات نفس الشخص الصاحب لتلك الأجزاء ، والحامل لها ، كان يتعجب من شيء ، وتتوجه بالالتفات إلى ظاهر البدن ، تتقوى تلك الأجزاء في البروز والظهور ، فتقع على كل ما يقابلها ، وتنفذ فيه وتفعل فيه ، فعل السموم الحادة إذا نفذت في الشيء القابل ، وكلما تتقوى الحرارة الغريبة ، كانت قوة خروج تلك الأجزاء أكثر وأقوى ، ولذا ترى صاحب العين المصيبة ، إذا أراد القوة في الإصابة يجوع ثلاثة أيام ، لتكثر الحرارة وتقل الرطوبة وتزيد اليبوسة ، وتقوى تلك الأجزاء كثرة وقوة وفعلاً ، فتصيب كما يريد ، كما في تفسير مجمع البيان أن الرجل منهم أي من الذين يصيبون بالعين ، كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين ، يجوع ثلاثة أيام ، ثم كان يصفه فيصرعه بذلك ، وذلك بأن يقول للذي يريد أن يصيبه لم أر كاليوم مثله فينصرع ، وذلك لما ذكرنا من تسبيب أسباب هيجان تلك الأبخرة الحادة المسمومة ، وكلما كان التعجب والتفات النفس أشد وأقوى ، كان التأثير أشد ، ولذا لا تؤثر أو تؤثر قليلاً عند إهمال النفس ، وعدم التفاتها ، فالعين بمنزلة البلورة ، ولها القوة الجامعة ، وتلك الأجزاء الحاملة للحرارة الحادة ، المنبعثة عن وجه النفس ، الذي هو القلب اللحم الصنوبري ، بمنزلة حرارة الشمس ، فبالمقابلة يحصل الإحراق ، وإن عظم المقابل .
فإن قلت إن تلك الأجزاء ، إذا كانت لها سميّة وحدة ، كما ذكرت فلما لا يتضرر صاحب العين بها ، ضرورة انفعال الأجزاء من الغرائب الحادة السمّية .
قلت عدم الضرر لاعتياد الطبيعة بها ، لأنها صحبتها من أول تكون المزاج ، كالسموم التي في الأفاعي ، والعقارب وسائر الحيات ، وغيرها من الحيوانات ذوات السموم .
نعم إذا عرضت تلك الأجزاء ، بعد نضج المزاج وتحقق الإعتدال الإضافي ، دفعة واحدة تضر البدن ، وتفسده مثال الطاعون ، والحميات الوبائية وأمثالها
وأما ما كان من أصل الطبيعة ، باستحالة الغذاء إليها ، فتعتاد الطبيعة بذلك ، فلا يضرها كما يشاهد أشخاص يتعودون بشرب السم فلا يضرهم ، وكذلك الحال في هذه الأجزاء ، ولما كانت بنية الإنسان أقوى وأنضج وأحر وأعلى ، كانت السموم الخارجة من عينه ألطف وأنفذ وأقوى في الفعل ، وتتفاوت الأشخاص في ذلك كما هو الظاهر .
فإن قلت فعلى ما ذكرت ، يجب أن لا يصيب العين إلا البدن ، وما يتعلق به من ظواهره وخوافيه خاصة ، مع أنها ربما تؤثر في الأمور الغيبية والمعنوية ، كالعلم والجهل والبلادة والحمق .
قلت لما (فما خ ل) أن أمر الله سبحانه وتعالى واحد ، في الغيب والشهادة ، {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} (۱) ، {وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ} (۲) يجري (٣) في النفس من الغرائب ، والغرائز والصحة والفساد والسمّية والترياقية ، كما يجري في البدن حرفاً بحرف ، وقد قال مولانا الرضا (ع) :
«قد علم أولو الألباب أن الاستدلال على ما هنالك (٤) لا يعلم إلا بما هاهنا» (٥) فما ذكرنا في البدن الجسماني ، يجري بعينه في النفس الغيبية ، لأن الظاهر عنوان الباطن ، والمجاز قنطرة الحقيقة ، فافهم .