وأما ما ترى من انفعال الإنس منهم وخوفهم إياهم ، فذلك في مقام (۲) : {ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} (۳) فلما تنزل الإنسان وخرج عن موطنه ، لزمته عوارض الإدبار ، ونسي نفسه ومقامه ومرتبته ، حتى صار أذل كل شيء وأحقره ، فالنار تحرقه ، والهواء يقسمه ، والماء يغرقه ، والتراب يدفنه ، والسباع تأكله ، والجن تخيفه ، والحر يذيبه ، والبرد يجمده ، والحديد يقطعه ، وجميع الكائنات تتصرف فيه ، وهو ذليل حقير ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .
وإذا طهر الإنسان من الأدناس ، ووصل إلى موطنه ، مقام الاستيناس ، ينفعل كل شيء منه ، وهو لا ينفعل من شيء ، وهو يؤثر في كل شيء وهو لا يتأثر من شيء ، ألا ترى أولياء الله كيف تنفعل الأشياء لهم و وتخضع (٤) وتنقاد لهم ، وتسكن إلى طاعتهم ، والأشياء طرا طوع يمينهم ، وهم النقباء الأبدال والنجباء ، أصحاب غرايب الأفعال .
فان قلت هب أن الإنسان تنزل ، فهو في أي رتبة تكون ، يجب أن لا ينفعل من الجن وغيرها ، فان الشعاع لا يؤثر في المنير على كل حال . قلت للإنسان مقامان : مقام نفسه ، وهو في ذلك المقام منير ، ولا ينفعل من الجن وغيرها ، فان الشعاع لا يؤثر في المنير على كل حال .
قلت للإنسان مقامان : مقام نفسه ، وهو في ذلك المقام منير ، ولا ينفعل هناك من شعاعه .
ومقام ظهور في الرتبة السفلى بحكم {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ} (۱) بعد قوله تعالى : {وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً} (۲) وهو في هذا المقام (۳) في حكم أهل تلك الرتبة ، في جميع ما يرد عليها ويصدر منها ، وهو قوله (٤) تعالى : {قل إنما أنا بشر مثلكم} (٥) ففي هذه الرتبة تجري عليه جميع أطوارها وأحوالها فيفعل وينفعل ، ويؤثر ويتأثر .